قراءة في مضامين افتتاحية الخطاب الملكي للدورة التشريعية الجديدة
عشنا يوم الجمعة الماضي أهم حدث و هو خطاب صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان التي يترأس جلسة افتتاحها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من خلالها يوجه خطابا يقوم على ما تمليه الحاجة و الظرفية التي تمر بها البلاد .
و أنا أعيد سماع الخطاب الملكي لأكثر من مرة للوقوف بشكل دقيق على رسائله ، استرعى انتباهي مدى ارتباط رسائل خطاب الأمس بالآيات البينات من الذكر الحكيم التي تم الافتتاح بها : تم الافتتاح بآيات من سورة الأنفال قال الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا الله و رسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون و لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا يسمعون ” سأقف هنا لأربط هذه الآيات و أسقطها على الحالة و الظرفية الآنية – للإشارة هذا لا يدخل في باب الاجتهاد الفقهي في تفسير القرآن و لكن من باب ربط اختيار الآيات لافتتاح الدورة التشريعية للبرلمان – سنتحدث عن الطاعة و طاعة الله و الرسول ليس قولا بل هو فعل يجب أن يتجسد في التصرفات التي تنبني على قيم تنظم العلاقات و تنظم قوانين الحياة العامة بمجالاتها الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الحقوقية …هذه القوانين و إذا خصصنا ارتباطها بمجال التدبير و التسيير فيجب على القائمين على تطبيقها أن يتصفوا بالطاعة القائمة على الالتزام بالأخلاق و الضمير و المهنية ، هنا أقف عند هذه النقطة لأربطها بحال القائمين على مؤسسات الدولة الذين يؤدون فروض الطاعة من خلال القسم الذي يقسمون به عند تقلدهم لمهامهم ؛ هنا يطرح السؤال: هل كل من أدى فروض الطاعة من خلال رفعه للقسم القائم على الالتزام بالضمير و المهنية في العمل المنوط له به هو صادق ؟؟!! هذا السؤال تجيب عنه الآية : ” و لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا يسمعون ، إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ” في هذه الآية تشبيه من يخرجون عن الطاعة كالذين يقولون سمعنا بألسنتهم و هي لا تلمس قلوبهم و لا عقولهم ، و هنا أسقطها على حال من يؤدون قسم الطاعة و الالتزام في تدبير شؤون قطاعات و أجهزة و مؤسسات الدولة أن هذا القسم لا يتعدى اللسان و الحنجرة ، عند الأغلبية حتى لا أسقط في التعميم ، هؤلاء يعتبرون شر الدواب – و الدواب هنا كل من تدب فيه الحياة ؛ بمعنى هم شر الكائنات الحية التي تدب على الأرض لأنها كالصم و البكم الذين لا يعقلون ؛ إضافة ” لا يعقلون ” هي إشارة مهمة لخطورة هؤلاء الكائنات الحية لأن الصم و البكم هم عاهتان لا تعطل ملكة العقل عند الانسان لكن ما يعطل ملكة العقل هو التفكير الحيواني للحيوانات المفترسة القائم على غريزة البقاء للأقوى و الأشرس ؛ و بالتالي هناك من يقف يؤدي قسم الطاعة و الالتزام و بداخله غريزة الأنا و بعدي الطوفان
. مثل هؤلاء لا خير فيهم حتى و لو توسمنا فيهم خيرا و منحناهم ثقتنا ، و هنا يأتي دور المجتمع المدني في اختياراته وبخاصة في الانتخابات التشريعية ،فليس كل يعد يفي ، و ليس كل من يلتزم ينفد ، و ليس كل من يقسم صادق ، و أن الثقة يجب أن تمنح للشرفاء و العقلاء و لا يجب أن تجدد مع من خانوا العهد ؛ و خيانة العهد في حد ذاته خيانة للوطن و المواطن وخيانة الوطن و المواطن هو في العمق خيانة من يسهر على رعاية هذا الوطن و المواطن و هو ملك البلاد و بالتالي و كما قال الله تعالى : ” وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ” فلا خير فيمن يخرج القسم من حنجرته و لسانه و لا يلمس ضميره الأخلاقي و لا يلمس المهنية. هذه القراءة المتواضعة وددت بها القول أن اختيار الآيات البينات من سورة الأنفال في الجلسة الافتتاحية لم يكن اختيارا اعتباطيا بل اختيار مبني على رسالة موجهة للقائمين على قطاعات و مؤسسات الدولة و للمجتمع المدني ؛ و هي تمهيد للرسائل القوية و الحاسمة لصاحب الجلالة أيده الله و نصره التي تضمنها خطابه السامي والتاريخي .
زكية بوقديد