يوم الملك
للبريطانيين طقوس أيضا في حفل عيد ميلاد الملكة، كما كانت للملوك قبلها، ومازالت. الاحتفال الرسمي مستمر، حيث يقف النَّاس مشدوهين أمام فرقة الفرسان التي تتخايل، والعساكر المشاة يتغنون بالأنشودة الدائمة. هل تعرفون السر؟ الملكية البريطانية منذ القرن الثامن عشر قررت، وإن كان ميلاد الملك في فصل شتاء، ألا تحتفي بِه إلا في الصيف. بدأ ذلك في عهد الملك إدوارد، وعدلت فيه الملكة إليزابيث قليلا، فهي المولودة خميسا، قررت جعل حفل عيد ميلادها سبتا، لكي تمنح الفرصة لجمهور أكبر لكي يشاركها أفراحها.
غير أن حفل الملكة إليزابيث محدود، وقليل التكلفة، حوالي 1200 من الحرس الملكي يؤدون، في العاصمة لندن، عرضا عسكريا، تحضره الملكة ثم يسدل الستار. ليست هناك مشكلة لدى تلك الشعوب في الاحتفاء بأعياد ميلاد ملوكهم. في هولندا، يحتفي المواطنون هناك بيوم الملك، وهو يوم يصادف عيد ميلاد ملكة من السلالة التي تحكمهم اليوم. يحدث ذلك منذ أكثر من مائة عام. الملكيات وهي تحتفي بهذه المناسبات لا تشعر بالمنة إزاء الشعوب، ومواطنوها بالكاد يعارضون الاحتفالات لأسباب اقتصادية. هي مجرد طقوس مرح، لكنها مشبعة بالدلالات بالقدر الكافي.
هذه مقدمة ضرورية للحيارى إزاء الطريقة التي قدم بها بلاغ للديوان الملكي قرار محمد السادس إلغاء الاحتفالات بعيد ميلاده.أعياد ميلاد الملوك ليست طبعة خاصة بالديكتاتوريات، كما ليست صنيعة العقل غير السوي للجبابرة الذين يحكمون شعوبهم بالدم قبل أي شيء آخر. لكن المغرب بالكاد يعرف ما يعنيه عيد ميلاد الملك، فقد تعين عليه أن يفهم ذلك قبل ستين عاما فحسب. وعلى طول هذه المرحلة، شكل عيد ميلاد الملك يوما خاصا للناس الذين لا يأخذون عطلا في اليوم المصادف لازديادهم، بيد أنهم يبدون سعيدين وهم يستجمون يوما كاملا لأنه يصادف مولد الملك.
فجأة، قرر الملك ألا يحتفي أحد بعيد ميلاده. لم يذكر البيان الصادر عن الديوان الملكي أي خلفيات لحدوث ذلك. وتركت المهمة لبعض التسريبات أن تؤتي أكلها.
في رأيي، هناك حلحلة تدور في القصر الملكي حول الفائدة الاقتصادية من الطريقة القديمة في الاحتفاء ببعض المناسبات ذات الارتباط بالملك نفسه. طلب محمد السادس قبل هذا تقليص نفقات الاحتفاء بعيد جلوسه على العرش. هذه مناسبة كبيرة عند الملكيات، لكن ليس ضروريا أن تواكبها حملة إنفاق واسعة في بلاد كل مؤشراتها الاقتصادية حمراء.
الملكية بصدد إعادة جدولة المناسبات الخاصة بها، كما فعلت قبل ثماني سنوات عندما أعادت تقييم مستوى ولوجها الأسواق. في 2011، كانت الملكية على قدر من الذكاء حينما تخلت بشكل تدريجي عن الصناعات المرتبطة بشكل مباشر بحاجيات المواطنين، وهي الآن تفعل الأمر نفسه دون أن يشعر المواطنون بأن لحاجياتهم دورا في القرار النهائي.
هذه الملكية وقد ألغت الاحتفالات بعيد الشباب، وقبل ذلك حين طالبت بشكل ضمني بعدم الاحتفاء بعيد العرش، إنما هي في الواقع تشكل ملامح ملكية جديدة. هذه الملكية وهي تتخلص من ميراث ثقيل على الإدارة نفسها، طوعت، سنين طويلة، أكثر الأشخاص الذين بدؤوا حياتهم السياسية وهم يقفون على الخط المقابل.
شخصنة الفاعل الجوهري في النظام الملكي عبر الطقوس عادة قديمة، لكنها ليست غير قابلة للصدأ. يمكن أن تفرض الملكية نفسها في وعي شعبها دون ذلك التذكير السنوي المتكرر بأهمية وجودها. لقد حول الموظفون البيروقراطيون ذلك إلى شرط جزاء.
يمكن أن يحتفي الملك بعيد ميلاده بالطريقة التي يشاء، كما بالشكل الذي يحفظ هيبته داخل الدولة. لا يمكن ألا تهتم الملكية بمشاعر الانزعاج من الأسلوب المتبع من لدن السلطات في جعل الأعياد المرتبطة بها وكأنها فروض طاعة غير منتهية. الوسطاء عادة يفسدون عملية البيع كما يقال، وقد أفسدت السلطات، في كثير من الأرجاء، ما تعنيه تلك المناسبات للعامة.
تخلص الملكية من ثقل المناسبات المتعلقة بها لا يقود إلى أي نتائج حاسمة؛ لكن يكفي ذلك الشعور المعنوي لدى الناس بأن ما هو ضروري يجب أن يبقى ضروريا، وما ليس مهما ليس من الضروري الاحتفاظ به دوما.
لكن إحدى النتائج الحاسمة هي كالتالي؛ بعد عشرين عاما من حكمه، لم يبدأ الملك هذه السلسلة، التي لا يبدو أنها بصدد التوقف، من الإلغاءات ذات الطابع التقشفي، سوى في عهد هذه الحكومة التي لا تتوقف عن كيل المديح لنفسها، أو على الأقل كما يفعل رئيسها. بشكل مباشر؛ العثماني يتحدث غالبا مع نفسه فقط.
منير أبو المعالي