السياسة لم تمت
خلال الأيام القليلة الماضية ارتفعت مبيعات جريدة “العلم”، لسان حزب الإستقلال ثلاث مرات، وحصدت الفيديوهات الموثقة لفعاليات المجلس الوطني الأخير للحزب نفسه آلاف المشاهدات، كما تم تسجيل نسب متابعة غير مسبوقة للأخبار المرتبطة بتشكيل الحكومة..
آلاف التدوينات الفايسبوكية تتابع بدقة تفاصيل المشاورات الجارية بين الأحزاب، وتعلق عليها بمواقف مساندة لهذا الطرف أو ذاك، ومنتقدة لهذا الطرف أو ذاك…
الكثير من المواقف المعبر عنها تعبر عن تحولات عميقة في طرق التفكير ومناهج التحليل لدى شرائح واسعة من المجتمع المغربي، تحمل بين طياتها الكثير من الأفكار والآراء والإقتراحات حول ما يجري ويدور من حولنا من وقائع وأحداث..
وسيكون من الخطإ عدم الإهتمام بما تحمله مواقع التواصل الإجتماعي من ثقافة سياسية معبرة عن جزء كبير من انشغالات الرأي العام..
اهتمام المواطنين والمواطنات بالمشاورات الجارية قصد تشكيل الحكومة يعكس اهتمامهم بمآل أصواتهم التي أدلوا بها في الإنتخابات، فهم يراقبون المكانة الحقيقية التي تحظى بها أصواتهم خلال المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة. وهل هناك احترام من طرف الأحزاب المشاركة في هذه العملية للأوزان النسبية للأحزاب السياسية كما عبرت عنها صناديق الإقتراع أم لا..؟
وهم يدركون جيدا بأن الحزب الحقيقي هو الذي لا يكتفي بالتأييد الشعبي واستقطاب الأنصار، خصوصا في أوقات الحملات الإنتخابية والتصويت والتظاهرات المهمة، وإنما هو ذلك الحزب الذي يتعامل مع أصوات المواطنين بوفاء، كما أنهم يعرفون جيدا بأن الحزب الحقيقي هو الذي لا يكتفي بالتنافس من أجل السلطة أو المشاركة فيها، ولكنه ذلك الحزب الذي يمتلك رؤية للإصلاح تنعكس في النهاية على حياة المواطنين ولا يطلب السلطة لذاتها، كما أنه يدبر تحالفاته بمنطق الموازنات التي تجعله في موقع أفضل للزيادة في المصالح والنقص من المفاسد..
كما أن اهتمام المواطنين بالشأن الحزبي، سواء بالتأييد أو بالنقد والمعارضة، يعكس اهتمامهم بالفكرة الديمقراطية أساسا، فهم يعرفون بأن الديمقراطية الحقيقية هي “دولة الأحزاب”، وهم يعرفون في قرارات أعماقهم بأن نضج الأحزاب السياسية هو الكفيل بالتقدم في مسار الإنتقال الديمقراطي، ويدركون بذكائهم الفطري ذلك الإرتباط العميق للأحزاب السياسية بمفهوم الديمقراطية والمشاركة السياسية، ويدركون بأن العداء الذي يبديه البعض للأحزاب السياسية يخفي في الحقيقة عداء للديمقراطية نفسها..
وعلى هذا الأساس، فهم يميزون جيدا بين أحزاب الإصلاح وبين أحزاب المنافع والمصالح..
وسيكون من الخطأ الكبير تجاهل الوعي السياسي للمواطن..
من قال إن السياسة ماتت بالمغرب..؟
عبد العلي حامي الدين