إعلام القرب: الرافعة المتينة للعمل الصحافي الإلكتروني
لعل المتتبع للشأن الصحافي ببلادنا خاصة الصحافة الإلكترونية، سيرى جليا المقاربة الواضحة جدا، وهي أن الصحافة الإلكترونية أصبحت تقترن بإعلام القرب أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى المنافسة الشرسة من طرف الصحافة المكتوبة والتلفزيون.
في هذا الصدد يجيب “عبد الوهاب الرامي”، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والإتصال، على سؤال محوري حول أهمية مبدأ القرب في جانبه الإلكتروني، إذ يبرز أن “مبدأ القرب يمكن أن يحقق التمايز بين الصحافة الإلكترونية وباقي وسائل الإعلام الأخرى”، ويرى “الرامي” أن “القرب الجغرافي” ليس هو وحده من يحقق مبدأ القرب بقدر ما هنالك أبعاد أخرى يمكن أن تتولد عنه، وهي القرب النفسي والعاطفي، وهي أبعاد لا مندوحة من استحضارها في ممارسة الإعلام الإلكتروني.
ومن خلال الحديث عن الصحافة الإلكترونية، يتبين جليا من خلال السنوات التي ظهرت فيه “الصحافة المستقلة” بالمغرب أن الإهتمام بالأخبار الجهوية والمحلية كان ضعيفا، رغم أن الكثير من الجرائد الوطنية اعتمدت في استراتيجياتها لتطوير المحتوى المقدم إلى القارئ على انتداب العديد من المراسلين لتغطية المدن والأقاليم الكبرى، ومع ذلك فشلت معظم الجرائد الورقية في دفع القارئ إلى متابعة محتوياتها، ومع مجيء الإعلام الإلكتروني تغير الوضع كثيرا، وغدت المواقع الإلكترونية الجهوية مصدرا أساسيا لنقل المعلومات واستقاء الأخبار.
حيث أن الكلام عن مستقبل الصحافة الإلكترونية يستوجب الإشارة للكتاب الأبيض، الذي اعتبر مسألة ترسيخ مبدأ إعلام القرب مدخلا أساسيا لتحسين محتوى ومضمون الصحف الإلكترونية، إذ “تساهم الصحافة الإلكترونية في نشر وتوزيع الأخبار بشكل سريع فوري ومستمر، وبقدر قرب الصحافة الإلكترونية من المواطنين تزداد أهميتها ونسبة انتشارها، وتصبح هذه الصحافة تشاركية كلما عبرت بصدق ودقة عن آراء المواطنين وأفكارهم واحتياجاتهم ومخاوفهم، وأتاحت لهم التفاعل معها خاصة عن طريق إشراكهم في موادها التحريرية، ويبدو ملحا أن يتجه تطوير محتوى الصحافة الإلكترونية المغربية نحو تعزيز المحتوى المحلي والجهوي بشكل يعكس خصوصية الجهة ويوطن إعلام القرب”.
وتأسيسا على ما سبق، يمكننا أن نضيف بعدين لمبدأ إعلام القرب، فبالإضافة إلى البعد الجغرافي نجد للبعدين النفسي والعاطفي نصيبا، وما يمكن أن ينطويا عليه من محددات لهذه الأبعاد، وتتمثل أساسا في توظيف اللغة والحوامل الثقافية التي تسند مضامين المواقع الإلكترونية.
وبناء عليه، نقر بأن الكتاب الأبيض، وفي سياق جرد مداخل تطوير محتوى الصحافة الإلكترونية المغربية، وضع التدبير الخلاق للغات مباشرة بعد “تكريس إعلام القرب”، مما يؤشر على تواجد نوع من التلازم بين الحوامل اللغوية ومبدأ “قانون القرب”، ويعتبر استخدام اللغة العربية في الصحافة الإلكترونية المغربية جزءا من الواقع اللغوي الرقمي العربي الذي لم يحظ بالإهتمام الكافي من أجل بلورته على مستوى محركات البحث، ومن شأن استخدام اللغة العربية في نشر المحتوى الصحافي الرقمي أن يوسع قاعدة المستخدمين وزوار مواقع الصحف الإلكترونية، ويزيد من تفاعلهم مع كل ما ينشر من مواد”.
وقد أثبت الواقع لما للصحافة الإلكترونية من دور أساسي في إحداث إعلام للقرب ذو مصداقية وشعبية، خاصة بعد تعاقب أحداث جهوية ومحلية لم تجد الصحافة المقروءة والمرئية وسيلة لنقلها عن كثب، وإيلائها العناية اللازمة والتزام الحياد في أحداث سياسية تمس بالنظام العام أو بالأخلاق الحميدة، سواء منها أحداث مدينة تازة أو بني بوعياش أو جريمة اغتصاب 11 قاصرا من “البيدوفيلي” الذي كان قد استفاد من العفو الملكي، ولولا فضح بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية لمثل هذه الأحداث التي لم يكن للصحافة الأخرى أي دور في نشرها، لما كان القارئ المغربي قد ألمَّ بها وعلمها من أصله.
وعند تحدثنا عن مفهوم إعلام القرب، فإنه بالضرورة يشير إلى البعد الجغرافي للمسألة كما أقررنا، بيد أن إطلاق مصطلح “القرب” على المعلومة والإعلام يعد خطأ جسيما، لأن الإعلام الجديد اليوم أضحى كفرد عائلي في كل الأسر المغربية تقريبا.
وقد يقول قائل: كيف يكون للإعلام الجديد هذه المثابة وهناك أسر تعيش في البوادي، وأسر معوزة تفتقر إلى الأنترنت مثلا؟
نقول: إن الإعلام الجديد ليس مقتصرا على الأنترنت بكل روافده وقنواته من مدونات ومواقع وجرائد ومجلات إلكترونية، بل إن الحملات الإشهارية كلوحات الشوارع والملصقات الضخمة الملونة والمضاءة هي من الإعلام الجديد، ومن شأنها إيصال المعلومة والخبر لعموم الناس.
إذن فإعلام القرب هنا مرتبط بالمجال الجغرافي، وبمعنى آخر، فهو شديد الإلتصاق بما نطلق عليه اسم “الصحافة الإلكترونية الجهوية”، إذ أن كل باحث يود الحصول على أخبار مدينة من مدن المملكة، ما عليه سوى كتابة اسم مدينته على مواقع البحث الشبكي وستظهر له كل القنوات الإلكترونية التي تهتم بهذه المدينة أو الجهة بشكل عام.
نور أوعلي (باحث في الإعلام والقانون)
الصحافة الالكتونية اصبحت تكتسي اهمية واسعة في المجال الصحفي والاعلامي