دينة البشير تكتب: “خيمة الثقافة، خيمة العار”!!

حين نتغنى بتاريخ تطوان الحاضرة العالمة لا نبالغ، تطوان أول ٌمدينة عربية احتفت بـ الكتاب، وجعلت منه عيدا. التظاهرة ـ”عيد الكتاب” يعود تاريخها لملتمسٍ قدمه السفير التطواني الراحل عبد الخالق الطريس سنة 1935 للمقيم العام آنذاك، ملتمس بإقامة عيد للكتاب قدمه الزعيم إيمانا منه بدوره التنويري، وحرصا على تكريس وتشجيع فعل القراءة وإتاحة الفرصة لدور النشر المغربية لتقديم الإصدارات..

التظاهرة شهدت دورتها التأسيسية سنة 1940 في مرحلة الحماية الإسبانية، على غرار المدن الإسبانية يومها، التي ظلت سباقة إلى الاحتفاء بالكتاب في مختلف الجهات الإسبانية.

 


إننا أمام احتفاء بالكتاب يزيد عن نصف قرن من الزمن.. احتفاءٌ تدعمه المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بتطوان، وعمالة تطوان، وجماعة تطوان، والمجلس الإقليمي بتطوان، ورابطة أدباء الشمال وفرع اتحاد كتاب المغرب، ومدعمون كُثر.. عيدٌ تُعقد ندواته ولقاءاته بخيمة (خيمة الثقافة، خيمة العار”) تتهاطل فوقها الأمطار والكوارث.

ما حصل اليوم صعقة لنا جميعا (وفاة الشاعر محسن أخريف بصعقة كهربائية أثناء إلقائه لكلمة أمام زملائه ووسط الجمهور بفعاليات الدورة الـ21 لعيد الكتاب بتطوان) ندرك جميعا أن الأقدار تلاحقنا في أيّ مكان وزمان، لكن من حقنا أيضا أن نتساءل ألا توجد فنادق وقاعات بالمدينة مجهزة بأحدث التقنيات وشروط السلامة لاستيعاب هذه التظاهرة؟ هل مكانة الشعراء والأدباء وصلت لهذا الرخص والاستهثار؟ هل بالأسلاك الصاعقة في الليالي الممطرة نحتفي بالكُتاب؟

أي عيد هذا الذي يتحوّل إلى مأثم؟!عيد صامت لم نشهد تمظهراته، من حقنا “النبش” في مصير الدعم المُقدّم لهذه الفعالية التي تزيد عن نصف قرن! لا وجود لملصقات ولا شاشات ضخمة في شوارع الحمامة البيضاء تسوّق لهذا العيد، أين مظاهر البهرحة التي ترافق المهرجانات والفعاليات الكبرى؟ ألا يستحق الشعراء كل ذلك؟

للشعراء نبوءة مدهشة بل ومزلزلة أحيانا، قصائد ودواوين شهيد الكلمة، شهيد الواجب الثقافي لخصت مشهد الحياة العبثي بديوان “ترانيم للرحيل”:

لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ..
لِهَذاَ سَأَلْقَى المَوْتَ فِي شاَرِعٍ فَسِيحٍ ..
سَأَلْقاهُ بِلاَ أَسْرارٍ ..
وَبِلاَ أَعْطَابٍ فِي النَّفْسِ ..
تَحْتاجُ إِلَى إِصْلاَحٍ فِي الأَنْفاسِ الأَخِيرَةِ مِنَ الْعُمْرِ.
لَيْسَ لَدَيَّ ماَ أَخْجَلُ مِنْهُ ..
طِوالَ العُمُرِ، وَأَناَ أَبْحَثُ عَنْ أَسْباَبِ الْفَرَح ..
بَحَثْتُ عَنْهاَ كَماَ تَبْحَثُ النَّارُ عَنْ قَشَّةٍ صَغِيرَةٍ حِينَ تَنْتَهِي مِنْ الْتِهَامِ الغاَبَةِ..
لَيْسَ لَدَيَّ ماَ أُخْفِيهِ

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.