اَلْمَغْرِبُ وَحُقُوقُ الْإِنْسَانِ بَعِيداً عَنْ تَقَارِيرَ جَائِرَةٍ
تمثل حقوق الإنسان في المملكة المغربية خيارا استراتيجيا، حيث ارتكزت على مبادئ حقوق الإنسان في إطارها الشامل الذي يتمركز حول جانب الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، من أجل العمل في إطار تعددي يضمن الحق في الإختلاف وينتج عنه تدبير الشأن العام، على أسس من الحكامة الجيدة وتفعيل قيم العدالة والكرامة لتأهيل المجتمع المغربي لإنتاج نموذج إفريقي وعربي متميز ديمقراطيا وتنمويا.
وعرف المغرب منذ سنة 2011 العديد من المكتسبات ابتدأت بالدستور الجديد الذي عزز الضمانات القانونية لحماية العديد من الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنات والمواطنين، بحيث يمكن اعتبار الباب الثاني من الدستور بمثابة ميثاق حقيقي للحقوق والحريات.
أما على مستوى التفعيل والتطبيق، فيمكن القول بأن المغرب انخرط في جيل جديد من التشريعات التي تهم حماية الحقوق والحريات، بالإضافة إلى التفاعل مع المواثيق الدولية ومع الآليات المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، نستحضر مصادقة الحكومة المغربية على الإتفاقيات التسع الأساسية: العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية (1979)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1970)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1993)، واتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة (1993)، واتفاقية حقوق الطفل (1993)، واتفاقية حماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1993). كما صادقت على البروتوكولين الإختيارين لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة (2002)، وبيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية (2001).
انضم المغرب كذلك إلى سبع من اتفاقيات منظمة العمل الدولية الثمانية المعنية بحقوق الإنسان، وهي: الإتفاقية رقم (98) المتعلقة بحق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية (1957)، والإتفاقيتان (29) و(105) المتعلقتان بالسخرة والعمل الإجباري (1957، 1966 على التوالي)، والإتفاقيتان (100) و(111) المتعلقتان بالقضاء على التمييز في شغل الوظائف (1979، 1963 على التوالي)، والإتفاقيتان (138) و(182) المتعلقتان بمنع استخدام الأطفال والقاصرين (2000، 2001 على التوالي)، بالإضافة إلى اتفاقية منع الإختفاء القسري. كما صادق المغرب أيضا على البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول المحلق باتفاقية «سيداو».
فبالموازاة مع الإنخراط في مسلسل تشريعي هام يتعلق بإصلاح منظومة العدالة وكل التشريعات ذات الصلة بها من قبيل “القانون التنظيمي للسلطة القضائية” و”النظام الأساسي للقضاة”، ومراجعة “القانون الجنائي” و”المسطرة الجنائية”، هذه الأخيرة التي تضمنت مسودتها التي لازالت في طور النقاش العديد من المكتسبات الهامة من قبيل حضور المحامي مع موكله أثناء مرحلة البحث التمهيدي والتسجيل السمعي البصري لجلسات الاستنطاق، كما تم إقرار “مدونة الأسرة” سنة 2004 كإنجاز هام على الساحة الحقوقية بالبلاد.
كما لا يسعنا هنا أن نغفل مشروع مدونة الصحافة الذي جاء بمجموعة من الضمانات التي تدعم الحقوق والحريات، خصوصا إلغاء العقوبات السالبة للحرية، وقانون مراكز “حماية الطفولة”، ومشروع “قانون مناهضة العنف ضد النساء”، والقوانين التنظيمية المتعلقة بتوسيع فضاءات اشتغال المجتمع المدني وخاصة ما يهم ملتمسات التشريع وتقديم العرائض والتشاور العمومي.
وقد قام المغرب بإحداث بعض الآليات الموازية كإحداث المؤسسات التي تعنى بما هو حقوقي من ضمنها “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” و”هيأة الإنصاف والمصالحة” كتجربة رائدة في مجال العدالة الإنتقالية، التي تعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي والإسلامي، إذ تم تنظيم جلسات الإستماع العمومية لفائدة ضحايا ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعويضهم.
هذا، ونجد أيضا “المرصد الوطني للإجرام”، و”ديوان المظالم” و”المحاكم الإدارية”، كل هذا يزيد في رصيد المملكة الحقوقي ويعتبر تعبيرا عن نية صادقة مع عمل متسارع في تكريس القيم الكونية لحقوق الإنسان.
فبخصوص الإهتمام الذي توليه الدولة لشؤون النزلاء منذ إيداعهم السجن وحتى ما بعد الإفراج عنهم، يشمل كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي والتشغيل والتدريب على بعض الحرف والمهن التي تتناسب قدراتهم وميولهم، تحضيرا لهم لممارسة حياتهم الطبيعية في مجتمعهم، ومساعدتهم على تخطي العقبات نحو حياة كريمة جديدة بعد خروجهم من السجن.
كما لا يمكن أن نغمض العين على موقف المملكة المشرف في وضعية حقوق المهاجرين بالمغرب، والذي يتجلى في تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء الذين يقيمون في المغرب دون أوراق قانونية، بحيث افتتحت المكاتب الخاصة بتسوية وضعية الأجانب في كافة أقاليم المملكة لاستقبال طلبات المهاجرين المقيمين بها بصفة غير قانونية.
أما فيما يخص قضية الصحراء، فاقتراح الحل السياسي في شكل مقترح الحكم الذاتي فلا يمكن المزايدة عليه في هذا الباب، وقد باشر المغرب في خلق مشاريع تنموية بالصحراء اجتماعية واقتصادية كخطة استراتيجية لحل النزاع بشكل سلمي وفي إطار سياسي حقوقي، حيث أنه قام بتدابير جبارة في اتجاه تطوير الإستثمارات من أجل الرفع من قيمة مؤشرات التنمية البشرية بالمنطقة تطلعا إلى الحفاظ على الإستقرار والسلم الإجتماعي، في إطار الجهوية التي ينص عليها دستور المملكة.
لذلك كله، لا يمكن فصل المجهودات التي يقوم بها المغرب عن سياقها السياسي والإجتماعي والعمل على تقييم واقع حقوق الإنسان في الصحراء على أسس واقعية، وفي إطار السيادة التي تتمتع بها المملكة فوق أراضيها.
والجدير بالذكر أن المغرب اعتمد على ثلاث آليات: وهي آلية العمل الوطنية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي سيتم اعتمادها قريبا من قبل الحكومة، والأرضية المواطنة من أجل التربية على ثقافة حقوق الإنسان التي تتظافر ضمنها جهود المنظمات غير الحكومية والسلطات العمومية، ويتولى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمانتها العامة، وثالثا المخطط الوطني لمتابعة تنفيذ توصيات الإستعراض الدوري الشامل ومعاهدات الأمم المتحدة، وفي هذا السياق ذكر بأن تنفيذ خطة العمل الوطنية من أجل الديمقراطية تمثل واحدة من توصيات المؤتمر العالمي الأول لحقوق الإنسان الذي انعقد في فيينا عام 1993.
بعد هذا الزخم الكبير من الإنجازات على مستوى حقوق الإنسان، لا نعتقد – نحن من جهتنا – كمغاربة حكومة وشعبا أن تقارير غير رسمية صادرة عن منظمات غير حكومية ستؤثر على مسار المغرب الحداثي السائر نحو الرقي بالحريات العامة وحقوق الأفراد، ولعلنا نشير هنا لتقرير منظمة العفو الدولية التي بكل بساطة لم تلتزم بالمصداقية مع المغرب، بل وعرف تقريرها حيفا وزيغا عن الواقع، وأكبر دليل على ذلك هو إدراجها لإجابات المملكة حول مختلف الإستفسارات بتقارير تابعة، ولو كان الأمر كما تقول لكان لها من الأفضل أن تواجه بالحجة وتقارع بالدليل الملموس.
راديو تطوان-فتيحة ماء العينين وسكينة أركاز باحثتان في القانون والإعلام