العلاقات المصرية المغربية …هل هي بصدد قفزة نوعية؟

بقلم الصحفي المصري: الدكتور أحمد بهنسي

شارك هذا على :

لدينا رغبة في إحداث (قفزة نوعية) في الشراكة بين المغرب ومصر في أبعادها الإنسانية والتنموية والسياسية…كان هذا أحد أهم وأبرز المقتطفات من رسالة عاهل المغرب الملك محمد السادس للرئيس السيسي الذي سلمها له وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطه يوم الجمعة الماضي على هامش مؤتمر أفريقيا للاستثمار.

من غير المبالغة القول بأن هذا المقتطف يلامس وصفا دقيقا للحالة الآنية التي تمر بها العلاقات المغربية- المصرية، كما أنه يلفت النظر إلى ذلك (البعد الإنساني) الذي تتميز به هذه العلاقات، والتي لا تنحصر في كونها علاقات سياسية أو اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية واقليمية ودولية وحسب، بل هي علاقات لها خلفيات تاريخية وثقافية ذات أبعاد إنسانية لايمكن إغفالها ومن غير المنطقي التغاضي عن استغلالها.

كما أنه من اللافت أن الرسالة الملكية المغربية عكست ادراكا قويا لأهمية التنسيق بين الدورين المصري- والمغربي في القارة الأفريقية سياسيا واقتصاديا لاسيما ما يتعلق بالملف الليبي الذي توافقت حوله الرؤى المصرية والمغربية، وهو التنسيق الذي من الممكن استغلاله من أجل استثمار الكثير من الفرص الاقتصادية والتنموية المشتركة بين مصر والمغرب في عدد من الأسواق الأفريقية الاقتصادية الواعدة، لاسيما بعد الانفتاح المغربي الواعد على أفريقيا بعد عودة الرباط لعضوية الاتحاد الأفريقي عام 2017، وكذلك في ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي منذ مطلع العام الجاري.

ومن وجهة نظري، فإن من أهم الفرص التي يمكن للقاهرة والرباط استغلالها هي تحفيز المبادرة التي تلقى دعما قويا من مصر – بصفتها رئيسا للاتحاد الأفريقي حاليا-  حول منطقة التجارة الحرة القارية (CFTA)، وهي مبادرة وافق عليها 44 من بين 55 دولة من الأعضاء في  الاتحاد في مارس 2018. والتي تعد إطارا إستراتيجيا للتحول الاجتماعي والاقتصادي في القارة السمراء. علاوة على الكثير من الفرص السياسية والاقتصادية الأخرى بين البلدين التي يمكن استغلالها في المستقبل المنظور.

نشاط دبلوماسي وتجاري

لا يمكن إغفال أن الرسالة الملكية المغربية وما تضمنته من رغبة لاحداث قفزة نوعية في العلاقات المصرية- المغربية، جاءت على خلفية زخم شهدته هذه العلاقات مؤخرا، وهو ما تجلى في نشاط دبلوماسي سواء على مستوى وزراء الخارجية أو حتى السفراء بين البلدين، وهو النشاط الذي انعكس على العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية وحتى الثقافية والفنية والانسانية بين البلدين.

فقد زار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطه مصر مرتين خلال هذا العام بشهري يناير ويوليو الماضيين، وفي كل زيارة كان يتم استعراض التقدم الملموس الذي يتم احرازه في العلاقات بين البلدين، ويعلن في أعقابها عن تقارب في وجهات النظر حولها لاسيما ما يتعلق بالملف الليبي وكذا الشأن الأفريقي، وبقية ملفات القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

من جانبه، أعلن السفير المصري في الرباط أشرف ابراهيم على هامش احتفال السفارة بالعيد القومي المصري خلال شهر يوليو الماضي عن رعاية السفارة ودعمها للمجهودات المبذولة لزيادة حجم الاستثمار بين البلدين منذ مطلع العام الجاري، والتي تجلت في شكل زيارات رجال أعمال ومنظمات أعمال مصرية للمملكة بدون انقطاع للبحث عن فرص استثمارية البلدين وهو ما انعكس على زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين، حيث وصل إلى حوالى 700 مليون دولار بنهاية عام 2018؛ وبزيادة بلغت حوالى 26% بالمقارنة بعام 2017. مضيفا  أن الاستثمارات المصرية تتزايد فى المغرب، حيث وصلت إلى حوالى 250 مليون دولار، ومن المنتظر أيضا أن تشهد هذه الاستثمارات زيادة خلال الفترة القادمة.

وكان لافتا أن يعلن السفير المصري في أغسطس من نفس العام عن أن جميع الاتفاقات التجارية والاقتصادية التي تم توقيعها سيتم تحديثها خلال العام الجاري، كما كان لافتا أن تشهد العلاقا تطورا ملموسا على المستوى القضائي وذلك بتوقيع المستشار نبيل أحمد صادق النائب العام السابق، مذكرة تفاهم مع نظيره المغربي المستشار محمد علي النباوي رئيس النيابة العامة المغربية والوكيل العام للملك، للتعاون القضائي بين النيابة العامة المصرية ونظيرتها المغربية خلال شهر يونيو من هذا العام.

أما السفير المغربي بالقاهرة أحمد التازي، فكان قد أعلن خلال العام الجاري عن حزمة اجراءات تنطوي على تسريع وتسهيل في الاجراءات القنصلية لاسيما المتعلقة بالحصول على التأشيرة ومن أبرزها تقصير مدة الحصول عليها إلى ثمانية أيام فقط، علاوة على تطوير مبنى السفارة والقنصلية بشكل يصب في صالح زيارة المصريين القاصدين المغرب لأغراض مختلفة سواء استثمارية أو سياحية أو حتى أغراض فنية وثقافية. بشكل أثَّر ايجابا على حركة السياحة بين البلدين وزيادة عدد الرحلات الجوية في الاتجاهين.

كان لافتا كذلك حرص السفير المغربي على دعم العلاقات المغربية- المصرية في بعدها الانساني المتمثل في تسهيل الاجراءات القنصلية التي يقصدها الراغبون في اتمام اجراءات الزواج المختلط بين مصري ومغربية، والتي تزايدت بشكل ملحوظ وغير مسبوق خلال الآونة الأخيرة.

زيارة ملكية

منذ العام 2017 وهناك الكثير من الأنباء والأقاويل التي تتردد حول زيارة ملك المغرب لمصر، وهي الأنباء الي ظلت في خانة (التكهنات) وربما (الشائعات)، حتى صرح السفير المصري بالرباط أشرف ابراهيم في برنامج  “سفراء المذاع عبر فضائية “360 المغربية”، أنه بالفعل كانت هناك زيارة ملكية مقررة لمصر في شهر مايو 2017 وحدث تغيير في اللحظات الأخيرة.

وأضاف السفير المصري أنه يتمنى أن تكون هناك زيارة أخرى لعقد اللجنة العليا المشتركة بين البلدين على مستوى القمة، معربا عن أمله في أن تمثل هذه الزيارة انطلاقة جديدة للعلاقات المصرية – المغربية.

ومن وجهة نظري فان (القفزة النوعية) التي تحدثت عنها الرسالة الملكية للرئيس السيسي ستتحقق بكل قوة وفعالية في حين شهدت الشهور المقبلة زيارة ملكية لمصر، والتي – بلا شك- ستمنح هذه العلاقات قوة دفع تحتاجها في هذه المرحلة المهمة التي تمر بها العلاقات بين البلدين والظروف السياسية والاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة ولاسيما القارة الأفريقية، علاوة على تأثيرها في بعدها (الإنساني) لاسيما لو تضمن برنامجها عقد لقاءات مع مثقفين وفنانين مصريين، وكذلك ممثلين عن الجالية المغربية في مصر التي تتزايد أعدادها بفعل زيادة عدد الزيجات المختلطة بين مواطنين من مصر والمغرب.

كما أنه من المؤمل أن تبدأ مثل هذه الزيارة المرتقبة صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وأن تسفر عن استثمار الكثير من الاتفاقات المبرمة بين البلدين لاسيما على المستوى الاقتصادي والتجاري وعلى رأسها اتفاقية أغادير التي تم التوقيع عليهام 2004 بهدف إحداث منطقة تجارة حرة بين مصر والمغرب.

ولحين حدوث هذه الزيارة يبقى السؤال مطروحا…هل تنتظر العلاقات المصرية- المغربية (قفزة نوعية) تحدثها زيارة ملكية للقاهرة مرتقبة؟.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.