التجميل غير الجراحي سعي نحو الذات والقبول الداخلي
هناء الشباب
في العصر الحالي، أصبحت إجراءات التجميل غير الجراحية مثل حقن البوتوكس والفيلر واحدة من الخيارات الشائعة التي تلجأ إليها العديد من النساء، خاصة في الفئات العمرية التي تتراوح بين الثلاثين والأربعين عامًا. هذا التحول الكبير في المفاهيم حول الجمال والتجميل غير الجراحي أثار الكثير من النقاشات الفكرية والنفسية حول دوافع النساء لاختيار هذه الإجراءات. فبينما يرى البعض أن هذه الخيارات تأتي استجابة لرفض مرور الزمن، يرى آخرون أن وراء هذا الاتجاه رغبة حقيقية في تحسين الذات وتعزيز الثقة بالنفس، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني. إذا أردنا النظر إلى الموضوع من منظور أعمق، نجد أن الأسباب التي تقف وراء هذه الاختيارات تتراوح بين رغبة الفرد في تجديد مظهره والحفاظ على هويته الشخصية، وصولًا إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تفرضها المعايير الجمالية في المجتمع.
على الصعيد النفسي، يُعتبر التحسين الذاتي ركيزة أساسية من ركائز تطور الشخصية. فمنذ الأزمنة القديمة، ارتبط الجمال بالنفس والروح في الفلسفات الشرقية والغربية على حد سواء. وعليه، يصبح الجمال أكثر من مجرد مظهر خارجي، بل هو انعكاس لحالة داخلية قد تكون مرتبطة بتقدير الذات. فعندما تبدأ بعض الملامح التي تدل على التقدم في العمر في الظهور، مثل التجاعيد أو الترهل، قد تشعر المرأة بأن صورتها الذاتية تتأثر، فتبدأ في فقدان الثقة في مظهرها، مما يؤثر سلبًا على تقديرها لذاتها. هنا، يصبح التجميل غير الجراحي أداةً لاستعادة توازنها النفسي، إذ يمنحها فرصة لتحسين ما تشعر أنه جزء من هويتها الشخصية، ويعزز شعورها بالثقة. وهذا التأثير ليس سطحيًا، بل يمتد ليشمل رفع المعنويات وإعادة تشكيل علاقتها مع نفسها. من خلال هذا التحسين، تكتسب المرأة القوة لمواجهة التحديات اليومية والتفاعل مع الآخرين بثقة أكبر.
وتدعم العديد من الدراسات النفسية هذا المفهوم، حيث تشير إلى أن تغييرًا بسيطًا في مظهر الشخص يمكن أن يعزز بشكل كبير من تقديره لذاته. التحسين الجمالي، مثل تقليل التجاعيد أو إعادة ملء الوجه بالفيلر، قد يعيد الفرد إلى حالة من الرضا الداخلي، ما ينعكس إيجابيًا على ملامح شخصيته وتصرفاته في الحياة اليومية. ومن هنا يمكن فهم كيف أن التجميل غير الجراحي لا يعكس رفضًا للتقدم في العمر، بل هو سعي نحو تقبل الذات في أفضل حالاتها.
إلى جانب ذلك، لا يمكن إغفال تأثير التجميل على الهوية المهنية. في المجتمعات التي تُقيم على أساس المظهر الخارجي، لا سيما في بيئات العمل التنافسية، يصبح الجمال جزءًا من الوسائل التي تُستخدم لتحقيق النجاح المهني. في هذه البيئة، تُعتبر ملامح الوجه المتجددة والمظهر الشاب علامة على الحيوية والنشاط، مما يسهم في تعزيز الثقة بالنفس. وقد أظهرت الدراسات النفسية أن الأشخاص الذين يحافظون على مظهرهم الجمالي العام يشعرون بتحسن في أدائهم المهني، ويميلون إلى أن يكونوا أكثر قدرة على اتخاذ القرارات بثقة أكبر. وعليه، تصبح إجراءات التجميل غير الجراحي بمثابة استثمار في الهوية المهنية التي تعتمد على القدرة على التأثير والإقناع في بيئات العمل المختلفة. يمكن للمرأة التي تواصل تحسين مظهرها أن تشعر بمزيد من القوة في إبراز قدراتها، ما يساهم في تعزيز مكانتها الاجتماعية والوظيفية.
أما بالنسبة للأبعاد الدينية في هذا السياق، فيجب علينا أن نذكر أن الإسلام، كما هو الحال مع معظم الأديان، يعتبر الجمال نعمة من الله سبحانه وتعالى، وأن الاعتناء بالجسد والعناية بالنفس لا يتعارض مع تعاليم الدين ما دام ذلك في إطار من التوازن والاعتدال. لقد أمرنا ديننا بالاهتمام بالصحة والجمال، ولكن في إطار يظل فيه الشخص ملتزمًا بالقيم الفطرية التي أمر بها الله، بعيدًا عن الغرور أو التفاخر. لذا، إذا كانت دوافع التجميل غير الجراحي تتجه نحو تحسين الذات في صورة متوازنة ومقبولة اجتماعيًا ودينيًا، فإنها تصبح جزءًا من الاعتناء بالنفس الذي حثنا عليه ديننا الحنيف. التجميل هنا لا يُفهم على أنه رفض للعمر أو محاولة للتغلب على حكم الزمن، بل هو سعي للوصول إلى أفضل نسخة من الشخص بما يتناسب مع الفطرة السليمة.
ومن الناحية النفسية، يتجسد الجمال الحقيقي في التوازن الداخلي والتصالح مع النفس، ولا يتحقق هذا إلا من خلال القيم الروحية والأخلاقية التي ينادي بها الإسلام. جمال الروح، كما يؤكد العديد من المفكرين الإسلاميين، هو الأسمى، أما الجمال الظاهري فيبقى مجرد جزء من تلك الصورة. لذا، إذا كان التجميل غير الجراحي يُستخدم في سبيل تحسين صورة الذات وتعزيز الثقة بالنفس، مع الحفاظ على النية الطيبة، فإنه لا يتنافى مع مبادئ الدين. بل إنه إذا تحقق بنية سليمة، يمكن أن يُعتبر جزءًا من سعي الإنسان ليعيش حياة أفضل وأكثر توازنًا نفسيًا وروحانيًا.
في النهاية، يُعتبر التجميل غير الجراحي وسيلة للتجديد وتحقيق الذات، لكن يجب أن يتم في إطار من الوعي الذاتي الذي ينبع من القيم الدينية والأخلاقية. التجميل لا يعني رفض العمر أو إخفاء التجاعيد، بل هو نوع من الاهتمام بالنفس وتقديرها. وعندما يكون الهدف من هذه الإجراءات هو تعزيز الثقة بالنفس وتحقيق الرضا الداخلي، فإنها تصبح خطوة نحو تحقيق الذات بشكل متوازن وصحي. وعلى المرأة أن تكون دائمًا صادقة مع نفسها في دوافعها، وأن تدرك أن الجمال الخارجي مهما كان، يظل في النهاية مجرد انعكاس لما بداخله من روح وأخلاق.