خطاب الملك محمد السادس.. قراءة تحليلية للرسائل والأبعاد
عصام أوهاب
لا يمكن قراءة خطاب جلالة الملك محمد السادس الأخير بمعزل عن سياق التحولات الإقليمية والدولية المعقدة، والأهم، عن الإحساس العميق بالإحباط الذي يسود الشارع تجاه بطء وتيرة الإصلاحات. الخطاب لم يكن مجرد تذكير بالمنجزات، بل كان أقرب إلى وثيقة نقد ذاتي جريئة من أعلى سلطة، تطرح تساؤلات حارقة حول كفاءة الأداء الحكومي والإداري، وتحدد بوضوح نقاط الخلل التي أضحت كوابح حقيقية للتنمية.
لقد تميز الخطاب بنبرة حاسمة تكسر التقاليد البروتوكولية، وتبنت لغة التكليف الصريح بدل التوجيه العام. إن الإشارة إلى ضرورة تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع وتعميم الحماية الاجتماعية لم تكن مجرد أمنيات، بل كانت أوامر تنفيذية مباشرة تتضمن في طياتها شرط المحاسبة الصارمة. هذه النبرة تذكرنا بالجرأة التي يتطلبها كشف الحقائق المخفية؛ فالملك لم يتردد في الإشارة إلى أن البيروقراطية المقيتة والذهنيات المتحجرة هي العدو الداخلي الأبرز الذي يجب اجتثاثه. هنا يظهر البعد الاستقصائي للخطاب، إذ إنه يضع يده على مكامن الداء الإداري والمالي التي تتغذى على الريع والامتيازات غير المشروعة، الأمر الذي يشكل ضغطًا غير مسبوق على كل من يتولى المسؤولية.
فقد تجاوز الخطاب البعد الاقتصادي الضيق ليؤسس لـمشروع مجتمعي متكامل. التركيز على تثمين العنصر البشري، وتفعيل منظومة الحماية الاجتماعية كـعمود فقري للنموذج التنموي الجديد، يمثل محاولة لإعادة بناء التعاقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن على قاعدة العدالة والكرامة. هذا الطرح يأتي متناغمًا مع الرؤية التي تجعل من التنمية الحقيقية عملية فكرية وحضارية قبل أن تكون رقمية أو اقتصادية. عندما يتحدث الملك عن ضرورة توحيد الجهود وتجاوز الحسابات الضيقة، فإنه يدعو ضمنيًا إلى تغيير “العقل” الذي يدير الشأن العام، ووضع المصالح العليا للمغرب فوق كل اعتبار سياسي أو فئوي.
وفي الختام، يمكن وصف الخطاب الملكي بأنه بيان ثوري هادئ يهدف إلى إحداث صدمة إيجابية في بنية الدولة والمجتمع. إنه يضع الجميع، من أعلى هرم السلطة التنفيذية إلى أصغر موظف إداري، أمام مسؤولية تاريخية لا تقبل التأجيل أو التبرير. الرسالة الأقوى التي يجب أن نلتقطها هي أن زمن التهاون قد انتهى، وأن الملك قد أطلق صافرة الإنذار للمحاسبة الشاملة. دورنا الآن هو أن نكون المرآة الصادقة التي تعكس مدى التزام المؤسسات بهذه التوجيهات، وأن نلاحق بكامل الجرأة والعمق أي تقصير أو تعثر يعيق تحقيق طموحات المغاربة.