تهديد داعش للمغرب

شارك هذا على :

تهديد داعش للمغرب:

 جدية الامتحان الأمني وسؤال الارتباط بالوطن

من خلال الأحداث الإرهابية الأخيرة التي وقعت في تونس والكويت وفرنسا، يبدو الوضع الإقليمي اليوم مقلقا بسبب هشاشة البنية الأمنية في كثير من الدول العربية بسبب روتينية العمل الأمني وانتشار الأسلحة والمواد الخطيرة لدى تنظيمات غير قانونية وإغفال الثغرات الأمنية والدراية غير المحكمة للسلوكيات الإجرامية التي تعتمد على احتساب معادلات الاحتمالات والنسبية التي تلقى أساسها ومساحتها الكافية في نقائص الوظائف الأمنية الكلاسيكية للدول، مما يسهل اختراق النظم الأمنية أو القيام بأعمال تخريبية وإرهابية بعيدة عن أنظار الأجهزة الأمنية ودون رصدها في الوقت والمكان المناسبين، وهذا يطرح سؤال الدولة من جديد وقدرتها على الحفاظ على المستوى الأمني من خلال رافدين أساسيين الأول ويكمن في العقل الأمني والثاني يكمن في عقل المواطن ومكانة الوطن بينهما، وكلاهما مكملين لبعضهما البعض للحفاظ على وطن لا يعوض.
وفي هذا الباب تطرح صيغ أمنية جديدة مكملة، للصيغ الأمنية الاستراتيجية التي اشرنا لها في مقال سابق، والتي لا يمكن إغفالها لإنجاح عملية الحماية من الخطر الإرهابي ذي الدلالات المختلفة والأثر العميق، ويتعلق الأمر بالصيغ الأمنية الداخلية المحكمة والواسعة والمتشعبة والتي تعتمد ترتيبات دقيقة ويقظة غير مسبوقة مشتركة بين كل الفعاليات الأمنية والمواطن، ويتعلق الأمر بإعلان مواجهة الإرهاب بامتحان موت أو حياة الوطن الذي يحيى فيه الجميع، وقد يتطلب الأمر تعبئة بعض الإمكانيات المادية لجميع المواطنين المتعاونين وتتويج كل من يدل على إرهابي بشكل مضبوط، لكون العمليات الإرهابية ليست إلا إمكانيات مادية معززة بالوعد الخرافي وتزيين الأعمال التخريبية باعتبارها خلاصا مما يحس به المجرمين من معاناة…الخ، وعليه فانه ينبغي تدارك الثغرات الأمنية كنقاط الخلل وذلك كما يلي:
1 – عودة المهاجرين المغاربة وتوحيد عمليات التفتيش عند النقط الحدودية للضرورة الأمنية رغم روتينيتها، ذلك أن كل عملية إغفال قد تعود بالسلب على الجميع ، إذا تمكن شخص من إدخال مواد خطيرة تستعمل في العمل الإجرامي، وأيضا وضع قائمة بالمواد الممنوع إدخالها للمغرب حتى وإن كانت لها علاقة غير مباشرة بالعمليات والتفجيرات، لتفادي أية مغامرة بدعوى الجهل بالمعرفة المسبقة، وأيضا توحيد ضوابط المعابر وتقليص عددها لإحكام السيطرة عليها، وتفادي كل عمل مهني باعتماد العلاقات المشبوهة أو المعرفة المسبقة لرجال الأمن و الجمارك بالمواطنين عند المعابر لان قليل من الإهمال أو الطمع يسهل من محاولات إدخال المواد الممنوعة والأشخاص المشبوهة، ومراقبة المراقبين في هذا الباب مسألة ينبغي أن تكون سرية وغير معلومة ولا معلنة.
2 – اعتماد المسح الأمني على المستوى الوطني الأفقي مسألة مهمة وقد تكشف عن بعض العيوب والأشخاص في ارتباط بالفكر الإرهابي والتطرف الديني والتركيز على الحزام الجنوبي والشرقي للمغرب بالإضافة للمعابر والمطارات والموانئ لاسيما ميناء البيضاء كمسألة مهمة، بالإضافة إلى الاهتمام بالمرافق والمنشآت العامة من أسواق بكل أنواعها ومحطات طرقية وسككية ومواسم ومؤسسات عمومية وأماكن تواجد أكبر عدد من الناس كالمساجد والشواطئ والجامعات وتعميم آلات السكانير والكاميرات لضمان قدر معين من المراقبة وضبط المعلومات.
3 – إعادة النظر في العلاقات التجارية مع بعض الدول والتي تعتبر رافدا أساسيا للتواصل الثقافي مع مختلف الأجناس ووضع قائمة للتجار المغاربة الذين يتنقلون باسم حرية التنقل وعولمة التجارة بين مختلف الدول، فمنهم من يرتبط بأشخاص أعداء للوطن أو تنظيمات قد تسخر الأموال من أجل تمويل الالتحاق بالإرهاب باسم الجهاد وإثارة الفتن في دول والتقتيل لبني البشر الذين يشتركون معهم في الدين أو لا يشتركون في ذلك ولا في الأرض ولا في الإرث ولا في الجغرافية ولا في التاريخ …الخ، وعملية مراقبة السلع والتجار وعلاقاتهم رافد من الأعمال الأمنية .
4 – تأمين وتقنين التعاطي للعالم الافتراضي كعمل استباقي مهم وهو تعقيم للفكر الإجرامي الذي ينتشر بسرعة و استغلال سيئ لحرية التعبير والتواصل والانتماء بدعوى العلاقات الخاصة وحرية اعتناق الأفكار وتحويل الفهم الإيجابي إلى وسخ منبوذ، و ما يمكن أن يوضع في العالم الافتراضي من خطط وأعمال وتحويلات مالية وتأطير وتحريض وتوجيه وطلب فعل وأمر بتنفيذ والقيام بإجراءات ومد يد العون وتسهيل للمهام …الخ، مما يجعل من الأنترنيت مصدر أذى بما في ذلك التسويق الذي تقوم به الشبكة العنكبوتية للأعمال الإرهابية التي لم تعد سوى لقطات ألفها المشاهدين في خيال المخرج السينمائي ولا أثر لها في نفسية الأشخاص من حيث الواقع إلا عند القليل.
5 – أمن الروافد الثقافة والسياسية والإدارية الوطنية وتضييق الهوة بين مكونات الحقل السياسي والإداري من أحزاب ونقابات وجمعيات ومنظمات وإدارات ووضع ميثاق أخلاقي وطني كفيل بتحميل كل من زاويته لمسؤوليته، وتفادي إعطاء العدو فرصة النيل من المغرب بسبب الفرقة أو الصراع وتخلي كل عن واجبه اتجاه الوطن وتضييع الأمانة في عقر الدار وسلب رأسمال الوحدة والاستقرار من الجميع ، لاسيما وأن المغرب قطع شوطا مهما في التصالح مع التاريخ وأن الحسم اليوم للتعدد والخيار الديمقراطي الذي يضمن للجميع الحق على قدر أداءه لواجبه.
6- أمن الإصلاح و التصالح مع المفهوم والذات والواقع، بحكم ان المغرب بلد الأصول والتاريخ الغني بالزخم الديني والثقافي والحضاري مما جعل منه بلد التقاء وحوار الحضارات ، وإن كان فهم التاريخ يبقى نسبيا و غير عادل بالنسبة للبعض، إلا أن القاعدة العامة تدل على أن المجتمع المغربي استمر واستنهض وجوده بعراقة ثقافته وتقاليده ونظامه ومذهبه الديني الوسطي والمعتدل، ومحاربته للتطرف عبر 12 قرنا، مما زاده إشعاعا بين الأمم، لكن اليوم يمكن القول أن كل مكونات المجتمع تنشط في جزء منها بمنأى عن الضوابط الخلوقة للإدارة والحزب والنقابة والجمعية وغيرها بما يسمح بالقول بأن المفاهيم اتسعت بنسبيتها وتغلبت الذاتية والمصلحة الشخصية على الفهم الموضوعي والمصلحة العامة في جوانب عدة من الحياة العامة، مما يصعب معه معرفة الصالح والمصلح أحيانا، وهذا يتطلب العمل على المرحلة الحالية من حياة المغرب بإنقاذ ثروته الغير مادية وتأمين المفاهيم الوطنية التي تشد لجاذبية الوطن وتجنب الاجتهاد والارتجال الغير محسوب العواقب أو اللامبالاة في إدارة المؤسسات بجميع مستوياتها، وتجنب خدمة أجندة خاصة وضرب الجهة المعارضة أو العكس وخلق نعرات لتضليل الوضع ، فتأمين وإعادة توطين المفاهيم والاعتماد على النقد الذاتي لتحديد الإصلاح والعمل، وقياس الضرر والمنفعة، كسبيل لاستكمال مسلسل المغرب الصاعد.
7- تأمين إدراج المواطن في منظومة الأمن بما يحافظ على حياته وممتلكاته وحرياته وجعله مشاركا في الرهان الأمني الوطني ضد كل المخاطر، والتأهب لأي عمل إجرامي والتبليغ عن أي شك راوضه، واطلاق حملة تحسيسية وطنية لتوصيف الخطر وتوضيح كيفية التبليغ في الزمن والمكان المناسبين وكيفية التصدي للإجرام في مراحل معينة وجعل المراقبة لدى المواطن جزء من منظومة حياته وأمن البلاد باعتبار ذلك واجب دستوري والتخلي عن الواجب خيانة وطن.
8- تأسيس للإعلام الأمني وتخصيص جزء من الإعلام للسياسة الأمنية باعتباره آلية تنبيه وتتبع وفضح ومراقبة، وربط كاميرات المراقبة الحدودية والعمومية والصحافة المهتمة بالتخصصات منها الإعلام الأمني الواسع التواجد، ذلك أن الإعلاميين هم أنفسهم مستهدفين من قبل المتطرفين والإرهابيين، الذين يستغلون الإعلام المعاكس لترويج الفكر التخريبي الذي يمس بمواطنين لا يهتمون لأمرهم حتى تحل بهم الواقعة، إضافة إلى استنهاض باقي المكونات المجتمعية، بما فيها التي قد تكون مؤيدة للإجرام أو صامتة بنية التأييد للتغيير بطرق غير ديمقراطية.
9- تأمين رأي المكونات الدينية المغربية والإفصاح صراحة عن رفض التهديدات التي تتكرر ضد الوطن والجزم بأن إسلام المغرب ليس إرهابيا ولا علاقة له بقتل الأرواح، وأن الخلافات الدينية في المغرب لا تصل إلى مستوى خلق الإرهاب والتخريب والتقتيل للأبرياء، ونبذ كل عمل تخريبي باسم الدين أو غير الدين الذي يترتب عنه قتل الإنسان عبر العالم من مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم.
10 – البحث الأمني في التوقعات الإجرامية الممكنة للتقليل من الفرضيات المحتملة، لكون الفعل الإجرامي هو سلوك محدود بوقع مخيف ومميت ومخرب للمنشآت والأبرياء ..الخ، وبالنسبة لمنهجية العمل ووسائل العمل تتطلب تعبئة كل الإمكانيات للبرهنة على القدرات الأمنية المغربية الملكية السند والجوهر، وتدبير يقظة الطاقات التي تجعل البلاد تصمد وسط الإعصار والمتغيرات الكونية.
يظل الرهان هو الوطن الآمن وحياة المواطنين التي ليس لها ثمن، والحرية التي توقع الإنسان في الجريمة أو يتم اغتصابها ويعتدى عليها تزيد من صعوبة فهم الإنسان، حيث أنزل آدم من الجنة بسبب أكله لتفاحة، فهل بقتل وذبح أبناءه لبعضهم البعض سيعيدهم للجنة التي استعصي البقاء فيها لمجرد القيام بهذا الفعل المنهي عنه؟
كما أن الخطر الإرهابي الجدي للمغرب يتطلب اليقظة والحذر والتأهب والترصد والتعبئة والعمل البطولي التاريخي والسيادي والقادر على ابرزا ما كان وما هو كائن وما سيظل يضرب له الف حساب على المستوى العالمي، وإبطال خطة الكبار ضمن لعبة الشطرنج التي تتحرك بالصغار.

الدكتور أحمد الدرداري
رئيس وحدة الدراسات الأمنيةو الاستراتيجية بالمركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة
و أستاذ السياسات العمومية
بجامعة عبد المالك السعدي
كلية المتعددة التخصصات
مارتيل

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.