البيئة الرقمية

شارك هذا على :

بيئة من لا بيئة له

 لقد أصبح الإستعمال المستمر والمكثف لمجموع الإستخدامات الآلية في إنجاز الأنشطة المختلفة للإنسان يبـشر بمجتمع يعيش بلا ورق مطبوع أو مخطوط، أو بعبارة أخرى، يمهد لقيام مفهوم جديـد للمجتمعـات، وهـو المجتمـع اللاورقي أو المجتمع الرقمي.

إن المجتمع الرقمي هو عبارة عن مجتمع حديث ومتطور نجم عن تبني ودخول تقنية المعلومات والإتصال إلى الحياة المنزلية، وإلى مكان العمل، ودخولها في المؤسسات التعليمية…

وعليه، فإن المجتمع الرقمي يتضمن جميع الأنشطة والموارد والتدابير والممارسات المرتبطة بالمعلومات إنتاجـاً ونشراً وتنظيماً واستثماراً. ويشمل إنتاج المعلومات أنشطة البحث على اختلاف مناهجها وتنوع مجالاتهـا، بالإضافة إلي الجهود والتطوير والإبتكار على تنوع مستوياتها، كما يشمل أيضاً الجهود الإبداعية، والتأليف الموجه لخدمة الأهداف التعليمية والتثقيفية والتطبيقية، ناهيك عن الدور الجبار الذي يلعبه الإستخدام الأمثل للبيئة الرقمية في الدفاع عن القضايا الوطنية وتوجيه عقول الناس نحو خدمة الصالح العام.

ولعل البيئة الرقمية كما سلف وأشرنا تشكل مجتمعا من نوع آخر يطلق عليه “المجتمع الرقمي”، إذ يعرف هذا المجتمع حراكا واسعا وتواجدا كبيرا من طرف المستعملين، لذلك فماهيته تنصب في تبادل المعلومات ونقلها بصور لا حدود لها، لنكون في النهاية أمام ما يسمى بمجتمع المعلومات، وهو مجتمع يعتمد في تطوره بصورة أساسية على المعلومات وشـبكات الإتصال والحواسيب والهواتف الذكية وآليات تكنولوجية أخرى، أي أنه يعتمد على ما يسميه البعض بــ “التقنية الفكرية”.

وقد أثبت التواجد على الساحة الرقمية عن طريق الإحتكاك بتقنية المعلومات والاتصال أنه كفيل بتغيير الكثير في كل مجالات حياتنا اليومية، فعلى سبيل المثال تؤثر هذه التقنية في الهندسة والطب والفضاء الجوي والإتصال والتعليم والبحث والمعاملات البنكية والتمويل والدفاع ووسائل التسلية، وهذه لا تمثل إلا شيئا يسيرا من كثير حول المجالات التي تؤثر فيها التقنية، وأبرزها هو التأثير على المجتمعات وصناعة رأي عام قوي الغرض منه لم الشمل والدفاع عن مكتسبات الشعوب ونصرة القضايا باختلاف أنواعها.

لذلك فقد أسهمت التقنية خلال العقود القليلة الماضية في تطوير حقيقي في التنمية السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية لدول مختلفة حول العالم، وقد فتحت تقنية المعلومات والإتصال آفاقا جديدة لملايين البشر لا لكسب عيشهم فقط، بل وليسهموا في تغيير مجتمعاتهم، وهذا ما اتضح بشكل جلي إبان فترة الثورات “العربية” الأخيرة.

وتتحدد طبيعة البيئة الرقمية القوية والفعالة من حيث مستخدميها بتوخي سياسة تكافؤ الفرص أمام جميع الأفراد فيما يتعلق بالتكنولوجيا. ومن هنا، فإن نقطة الإنطلاق في الإستعمال الرقمي الإيجابي والفعال هي العمل نحو توفير الحقوق الرقمية المتساوية ودعم الوصول الإلكتروني، ومن ثم فإن الإقصاء الإلكتروني يجعل من العسير تحقيق النمو والإزدهار وحسن تدبير القضايا والملفات الرائجة على الأنترنت.

كما ينبغي أن يكون استغلال البيئة الرقمية بشكل جيد، توفير وتوسيع الوصول التكنولوجي أمام جميع الأفراد، ولا بد أن يتنبه المستخدمون إلى أن الوصول الإلكتروني قد يكون محدودا عند بعض الأفراد، ومن هذا المنطلق على المؤسسات السياسية أو المنضوية تحت لواء المجتمع المدني مخاطبة كل فئة معينة وفق خصوصياتها وطبيعتها.

مما لا شك فيه أن الإستغناء عن الأنترنت أصبح مستحيلا في عصرنا، وهو بذلك يضاهي حاجتنا للماء والكهرباء ومصادر الطاقة، إلا أن الوتيرة المتسارعة التي يخطوها العالم نحو استغلال الأنترنت بشتى الوسائل في جميع المجالات، قد يجعل من الساحة الرقمية ساحة صراعات سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية… وذلك إذا ما تم الحياد عن المفهوم الصائب لاستغلال التكنولوجيا الحديثة في توعية الناس ومدهم بالمعلومات وحشدهم نحو خدمة الصالح العام.

واستدلالا على الطرح أعلاه، يمكننا مثلا استحضار ما عاشته تركيا إبان الإنتخابات البلدية لسنة 2014، حيث أصدرت المحكمة التركية العليا قرارا قاضيا بحظر موقع “تويتر” قبيل الإنتخابات، ثم تلاه قرار قضائي آخر يحظر على المستخدمين الولوج إلى موقع الفيديو الشهير “يوتيوب”، مشيرة في الوقت ذاته أنظار المتابعين إلى مكانة وسائل التواصل على الأنترنت، كأداة للحشد الانتخابي وتكوين الرأي العام من جهة، وإلى مكانتها كعنوان يحتل مساحات واسعة من المتابعة والتغطيات الإخبارية من جهة أخرى، وبحكم هذا التأثير القوي لهذه الوسائل وجب حجبها ريثما تنتهي فترة الإنتخابات.

إن مثل هذا التحدي الذي تواجهه الساحة الرقمية، أو بالأحرى تأثيراتها الكبيرة على الرأي العام خصوصا ما ارتبط منه بالقضايا الكبرى أو الإنتخابات السياسية، يدل على أن حسن تدبير المعلومات على هذه الساحة وكيفية التواصل مع الجماهير تعد ضئيلة بين دولة وأخرى، وهذا ما يضطر الدولة لحظر مواقع التواصل الإجتماعي لضعف حسن استغلاله من طرف السياسيين أو المؤسسات.

 

نور أوعلي: طالب باحث بماستر القانون ووسائل الإعلام – تطوان

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.