أي قيمة لعدد السكان بالمغرب؟

شارك هذا على :

بعد ظهور نتائج الإحصاء العام للسكان و السكنى : أي قيمة لعدد السكان بالمغرب؟

بعد الكشف أمام جلالة الملك عن نتائج الإحصاء العام الذي أجري ببلادنا من فاتح إلى 20 شتنبر من السنة الفارطة، أصبح عدد المغاربة رسميا 242 848 33. ما أهمية هذا الرقم ؟ هل يشكل ثروة أم عبئا ؟ هل نسبة السكان العالية مفيدة للتنمية الاقتصادية ؟ أم على العكس، يجب تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال “السيطرة” على النمو الديموغرافي. لماذا معظم الدول الصناعية الكبرى تتوفر على نسبة سكان عالية، في حين تنصح المنظمات الاقتصادية الدولية الدول النامية بخفض نموها الديموغرافي ؟

تباينات نظرية و واقعية

لمدة طويلة تم اعتماد النموذج المالتوسي (1) مرجعا رئيسيا بل وحيدا في دراسة العلاقة بين نسبة السكان و التطور الاقتصادي، وبناء عليه عملت المؤسسات الدولية العاملة في المجال الاقتصادي والاجتماعي (صندوق النقد الدولي والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة) على إقناع الدول النامية أن ارتفاع نسب السكان بها يشكل السبب الرئيس في تخلفها.

لا جدال في أن هذا النموذج قديم بما يكفي لتتم مراجعته اليوم أو على الأقل تحيينه ، على ضوء ظهور نظريات رأس المال البشري ، نظريات حديثة تشكك في النموذج الشهير و ترى في عدد السكان ثروة يجب استغلالها وتأكد على دور الأفراد في التنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن واقع التوزيع العالمي للسكان يظهر أن العلاقة بين نسبة السكان و التطور الاقتصادي ليست دائما عكسية، فمعظم الدول الصناعية المتقدمة تحتفظ بنسبة سكان مرتفعة : الصين أكثر من مليار نسمة، الولايات المتحدة الأمريكية 316 مليون، ألمانيا 80 مليون، فرنسا 68 مليون، كوريا الجنوبية 50 مليون، اسبانيا 46 مليون … في مقابل ذلك تظل العديد من البلدان “نامية” رغم توفرها على نسبة سكان منخفضة : جيبوتي 000 860 نسمة، موريتانيا 3.5 مليون، جمهورية الكونغو 4.3 مليون، جمهورية أفريقيا الوسطى وسيراليون 5.2 مليون، إريتريا 6.2 مليون…

السكان: سواعد لبناء المجد أم أفواه تنتظر الإطعام ؟

مصدر الجدل هو وجهتا النظر المتباينتين إلى نسبة السكان، نظريتان اثنتان تتمايزان في هذا الصدد : الأولى تعتبرهم مصدر ثروة الأمم و منتجة للقيمة، ميزة تنافسية في شكل عقول و سواعد للعمل و سوقا للاستهلاك، الساكنة حسب هذه النظرية دعم للاقتصاد الوطني (تسمى أيضا : “الأطروحة التفائلية”). في المقابل تبقى النظرية “التشائمية” سائرة على نهج توماس مالتوس معتبرة نسبة السكان عبئا على عاتق الدولة، أفواها تنتظرالإطعام، أجسادا مرضى يجب تطبيبها و عاطلين ينتظرون توظيفهم.

مهما يكن فإن النقاش حول نسبة السكان ودورها في التنمية الاقتصادية لا ينبغي أن يركز على العدد و لا على التركيبة الديموغرافية و إنما على نوعية السكان، خصوصا مؤشرات التنمية البشرية.

إنها مسألة تعليم

تعتمد التنمية الاقتصادية على رأس المال البشري، انه “مجموعة الكفاءات والمؤهلات و القدرات الأخرى التي يمتلكها الأفراد لأغراض إنتاجية داخل البلد”. نظرية رأس المال البشري تبدأ مع افتراض أن الدول (و الأفراد على المستوى الجزئي) تقرر توجيه إنفاق في الحاضر على مشاريع تربوية لا تستطيع تحصيل مردودها إلا في المستقبل، في منطق مشابه مفهوم الإستثمار.

البلدان (كما الأفراد) تنفق على تعليم مواطنيها، والرعاية الطبية و تشجيع الرياضة وغيرها من الجوانب التي يمكن أن تحسن قدراتهم ومهاراتهم لاستتمارها في التقدم. عوائد هذا الاستثمار تكون مكاسب حضارية و تكنولوجية غيرنقدية تترافق مع تعزيز الإيرادات و تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، أي صناعة التقدم المتأصل و المبني من الداخل.

بهذا المعنى، فإن رأس المال البشري يتيح جذب الاستثمار وتلبية احتياجات الشركات و إدراج البلاد في اقتصاد المعرفة و يوفر قاعدة لرجال الأعمال الشباب.

1- نسبة لتوماس مالتوس (1766- 1834) الذي نشر عام 1820 نظريته الشهيرة التي لاحظ فيها أن نسبة السكان تنمو حسب متوالية هندسية ، بينما تزيد موارد العيش حسب متوالية حسابية، وبالتالي فإن النمو الديموغرافي هو مصدر المجاعة والحروب و البؤس. ويرتبط تحسين الظروف الاقتصادية في الدول النامية الآن بسياسات ترمي إلى “تبطيء” النمو الديموغرافي

عمر التجاني -أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش

باحث مشارك بمركز البحوث و الدراسات في التسيير جامعة بو/ فرنسا

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.