انتهى اقتراع السابع من أكتوبر، فاز بالمقاعد من فاز وحصد الغلة من حصد وخاب سعي من كان يعول على الكراسي، وفشل من لبس غير مقاسه وتاه في أحلام اليقظة من تبقى، انتهت تشريعات 2016 بتبوأ المصباح ريادة الترتيب متقدما على الجرار والبقية، ليكلف فيما بعد عاهل البلاد زعيم الحزب الذي حاز النسبة الأكبر من مقاعد البرلمان بتشكيل الحكومة في أجل أقصاه أربعون يوما.
مرت الأربعون يوما ومازال الحال على ما هو عليه، 395 برلماني وبرلمانية انتخبوا بمجلس النواب قد دخلوا للشهر الثاني في عطالة مؤدى عنها، بالإضافة إلى 120 مستشارا برلمانيا بمجلس المستشارين الذي يعرف بدوره في حالة من البلوكاج بسبب عدم تشكيل الحكومة الجديدة.
إذن 515 برلمانيا في المجموع ما بين أعضاء غرفتي البرلمان يتقاضون أجورهم بشكل عادي وطبيعي والمحدد في 36 ألف درهم شهريا للعضو الواحد، أي أنهم كلفوا خلال الشهر الماضي من العطالة والبطالة السياسية ميزانية المغرب “أجمل بلدان العالم” ما يفوق الملياري سنتيم دون أداء أي عمل.
وفي الوقت الذي تصرف فيه الدولة بسخاء وعطاء كبيرين على السادة نواب ومستشاري الأمة دون تأديتهم أي مهمة ولا حضور أي اجتماع اللهم جلسة افتتاح السنة التشريعية بحضور ملك البلاد، فإن الحكومة تسارع إلى الإقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل بالوظيفة العمومية عملا بشعار “الأجر مقابل العمل” الذي سبق وأطلقه رئيس الحكومة السابقة “عبد الإله بنكيران”.
الجميل في هذا الوطن، هو أنه ورغم دخولنا الشهر الثاني دون حكومة ولا برلمان مع ما تمثله المؤسستين معا التنفيذية والتشريعية على حد السواء من أهمية دستورية، غير أن الأمر يبدو أنه لم يؤثر على السير العام للمغرب، خاصة أن بلادنا شهدت في هاته الفترة حدثا تاريخيا وهاما تجلى في احتضانها للمؤتمر العالمي للمناخ “كوب 22”.
عدد من المواطنين المغاربة وباختلاف مشاربهم وفئاتهم الإجتماعية علقوا على حالة “البلوكاج” التي تشوب عملية تشكيل الحكومة، بين دعاة لإلغاء العمل الوزاري وحل البرلمان والحكومة وتحويل كل تلك الملايير التي تصرف على أعضائها لصالح مشاريع تنموية واقتصادية تعود بالخير الوفير على شباب الوطن، وبين مؤكد على أن المغرب تسيره حكومة الظل الحقيقية والقوية وليس تلك التي ينتخبها جزء من أبناء هذا الشعب عبر صناديق الإقتراع، والتي تظل مجرد حكومة “صورية” وبرلمان “شكلي” لا أقل ولا أكثر.
وعاد بعض المغاربة ممن عاصروا حقبة الراحل الحسن الثاني بذاكرتهم للوراء قليلا مستدلين بحالات مشابهة، حيث تم التصويت على دستور سنة 1962 الذي جاء به الملك، ووقفت ضده المعارضة التي كان يقودها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، ونظم المغرب أول استحقاقات تشريعية في 1963 وقدمت المعارضة ملتمس رقابة لإسقاط حكومة “أحمد ابا حنيني” في 1964.
أما خلاصة كل هذا الزخم السياسي فلم تكن غير قرار الحسن الثاني الإعلان عن حالة الإستثناء، وحل البرلمان شهرين بعد اندلاع أحداث الدار البيضاء في مارس من سنة 1965، والتي سقط فيها أعداد من القتلى وزج بأعداد أخرى في السجون، ليحكم الملك بعد ذلك مدة خمس سنوات بمفرده.
لقد عاش الحسن الثاني واحدة من أصعب اللحظات وهو يجد في مواجهته معارضة شرسة قادها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية التي ستختار في لحظة سياسية على غاية كبيرة من الأهمية وهي جلسة افتتاح البرلمان يترأسها الملك، أن تعلن عن موقف أشبه بالعصيان حينما قرر نواب الإتحاد في البرلمان نزع اللباس التقليدي الذي تعودوه في مثل هذه المناسبة، والمتمثل في الجلباب الأبيض والسلهام والشاشية الحمراء التي اعتبروها رمزا للعبودية.
أما البديل فقد كان هو اللباس العصري، لكن بدون ربطة عنق لكي لا ينعت رفاق “المهدي بن بركة” بالليبراليين، كان رد الحسن الثاني قاسيا بعد هذا الموقف الذي قرأ فيه الكثيرون أكثر من رسالة تمكن الإتحاديون من إيصالها للملك ومن خلاله لكل الرأي العام.
وشكل الإعلان عن حالة الإستثناء بعد ذلك بالنسبة للملك الراحل محطة ضرورية من أجل إعداد الإصلاحات السياسية اللازمة، غير أن هذه الإصلاحات امتدت لخمس سنوات حكم خلالها الحسن الثاني بمفرده بعد أن وضع كل السلط بيده، وفي السابع من يونيو من سنة 1965 جلس الحسن الثاني بقاعة العرش ليعلن للمغاربة عن قراره بالإعلان عن حالة الإستثناء وحل البرلمان.
وبالرجوع إلى النص الدستوري الحالي للمغرب، سنجد أن عملية حل البرلمان أو أحد المجلسين، تقتصر على الملك وفق الفصل 51 من الدستور الذي جاء فيه بأن “للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير، طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98″، أو على رئيس الحكومة بالنسبة لمجلس النواب وفق الفصل 104: “يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري…”.
إلا أن هذه الحالات مقيدة بالباب المتعلق بالأحكام الإنتقالية التي ورد فيها بخصوص البرلمان (الفصل 176): “مع مراعاة مقتضيات الفصل 51 من الدستور”، أي أنه خلال المرحلة الإنتقالية يقتصر حق حل البرلمان على الملك لوحده.
اقتربت إذن نهاية المهلة التي منحها الملك محمد السادس لـ “بنكيران” من أجل تشكيل الحكومة المقبلة والمحددة في أربعين يوما، وحتى اليوم ما زالت الصورة غير واضحة ولا يعرف متى سيتمكن زعيم الحزب الذي تصدر تشريعات 2016 من تحقيق مهمته.
وفي العرف المغربي يبدو مثل هذا الوقت عادي منذ أن أصبح الملك يعهد للوزير الأول في الدستور القديم أو لرئيس الحكومة في الدستور الجديد بتشكيل الحكومة، فقد تطلب تشكيل النسخة الأولى من حكومة بنكيران عام 2011 نحو 40 يوما، ونفس التوقيت أيضا استغرقه تشكيل حكومة “التناوب التوافقي” برئاسة “عبد الرحمان اليوسفي” في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عام 1998، فماذا فاعل أنت يا “بنكيران” بعد انتهاء المهلة؟
راديو تطوان-هبة بريس
رئيس الحكومة باقى ملقى الحلفاء لتشكيل الحكومة 2016